جمال ماضي

 

في كل عام تهل علينا هذه الأيام، وتحمل معها أجواء جديدة، تسمى: (الامتحانات) من أول أن تطرق علينا الأبواب حتى نهاية الامتحانات، وتحمل معها التوتر والاضطراب والشجار والمشكلات الزوجية، والأزمات الأسرية، فهل ما يحدث سببه الامتحانات حقًّا؟ أم هي بريئة من ذلك؟ فقد تكون منا في عدم التعامل معها كما ينبغي؟ أو تكون من أبنائنا الذين يتأثرون بما يحيط بهم وفي داخلهم من مشكلات خفية؟ أو تكون من نظام التعليم والجو المدرسي والمعلمين؟ أو تكون وهمًا في خيالنا أو شبحًا لا وجود له يرعب قلوبنا ويلخبط أحوالنا ويشتت أفكارنا؟. 

 

 ورغم ذلك كله: فالامتحانات على الأبواب، ثم هي تجتاز الأبواب، ثم نجد أنفسنا في الامتحانات، هذا هو جو أسرنا في هذه الأيام، فكيف نتعامل معها؟ وكيف نجتاز هذه الأيام بهدوء وصفاء وأمان؟.

 

1- ماذا تريد الأسرة من الأبناء؟

بدايةً هل نريد تفوقًا علميًّا لأبنائنا فقط؟ أم نريد لهم تفوقًا إيمانيًّا وتربويًّا؟، هل مهمة الأسرة في نقل وغرس القيم التعليمية أم التدين والالتزام والثقافة الأسرية؟، وبالإجابة على التساؤلين تطمئن الأسر، وتهدأ الأحوال، لنتعامل برفق ونجاح، نحن بالفعل نريد تفوقًا إيمانيًّا وتربويًّا، وليس معنى ذلك ألا نريد تفوقًا علميًّا! ولكن ما الأولوية التي توافق طبيعة الأسرة؟ إنها التربوية والإيمانية بالتأكيد، والنتيجة: تتعامل الأسرة مع الواقع العلمي للأبناء بمستوياتهم المختلفة دون إجبار أو إكراه أو طلب المستحيل!.

 

وقد أثبتت الدراسات أن قيم الأسرة التي تنقل للأبناء هي الأخلاق والتدين لأنهما يحتاجان إلى قدوة وملاصقة ورؤية ومعاشرة، ولا يحقق ذلك إلا الأسرة، ومهمة الوالدين في ذلك أساسية ودافعة وقوية وطبيعية.

 

2- هل الامتحانات حقًّا شبح كل عام؟

لقد اتفق علماء التربية أن أفضل تعامل في أيام الامتحانات تتمثل في:

1- الاستعانة بالله والإقبال عليه فبيده وحده التوفيق والنجاح.

2- احتساب الجهد من الآباء لله تعالى دون نظر إلى النتائج.

3- المذاكرة وسيلة وليست غايةً.

4- بذل المجهود في المذاكرة ثم الرضا بقضاء الله تعالى.

5- تميز المسلم اليوم واجب ولكن ليس في اتجاه أو مجال واحد.

6- الإسلام يحث على العلم والحضارة وعلى مسئولية ذاتية.

 

في ضوء هذه الاتفاقات، فليست الامتحانات شبحًا كما يتصور البعض نواجهه بالمعارك، وإنما لا بد من الاستيعاب القائم على الفهم وحفظ ما يمكن حفظه من قوانين وقواعد وأسس، ولو أننا كآباء وأبناء تعرفنا على البصائر الثلاث لأرحنا واسترحنا: (اعرف نفسك واعرف شخصيتك واعرف هدفك في الحياة).

 

ولذلك المطلوب حتى ينجح أولادنا في مراحلهم الدراسية المختلفة من الحضانة إلى الجامعة أمران: الأول إزالة النفور لدى أبنائنا، الذي قد يكون من طبيعة المادة، أو ممن يعرض المادة، أو من الأصحاب والشلة، والثاني: تهيئة جو صحي ممثل في ذهن صافي ليتم الفهم، والتزام في الوقت ليتم الإلمام، والمذاكرة ليتم الاستيعاب، فكيف ننفذ هذا المطلوب؟.

 

3- حل عملي للتعامل مع أيام الامتحانات.

هناك أشياء كثيرة تدعو إلى القلق، وما هي بذلك! فنحن الذين نصنع منها المشاكل! مثال لذلك ضعف التركيز لدى أبنائنا في مرحلة الطفولة، وميلهم إلى اللعب، وهذا أمر في الحقيقة لا يدعو للقلق أبدًا!! فمراعاة اللعب ومراعاة المرحلة التعليمية ومراعاة النضج العقلي والعاطفي والزمني لأعمار الأبناء، كل ذلك يحتاج منا إلى الحيل التربوية بما يتوافق مع هذه السن المبكرة، ومراعاة الظروف النفسية، والاهتمام بالتغذية الصحيحة، وليس كما تلجأ أغلب الأسر إلى الانفعال فقط!.

 

فهل سألنا أنفسنا كما نوفر للأبناء الدروس الخصوصية! والإكثار من النصائح تارة أو الإجبار على المذاكرة تارةً أخرى، هل سألنا أنفسنا: هل وفَّرنا لهم كل العوامل المؤثرة من: مكان محبب وضوء مناسب وهدوء، أو بمعنى آخر بهذا الحل العملي:

 

بعد الاستعانة بالله تقييم القدرات لأبنائنا بقراءة عامة لملخص المادة، ثم إلمام سريع لها، وأجوبة للأسئلة المهمة، وحلول للامتحانات السابقة، ثم نسأل أنفسنا: هل تحدثنا مع أبنائنا في غير المذاكرة لإشعارهم بالأمان؟ هل قمنا بتشجيعهم ودفعهم وزرع الثقة في أنفسهم؟ هل وفرنا لهم جو الهدوء والبيئة المحفزة والمساعدة داخل البيت؟ وذلك بدلاً من: التعنيف أو أداء الواجب عنهم، أو الضغط عليهم للمذاكرة، أو دفعهم للشعور بالذنب في عدم تفوقهم وبلادتهم، أو عقابهم الدائم بنية دفعهم للمذاكرة، فهل قمنا فعلاً بالمطلوب منا باهتمام وايجابية؟.

 

4- لماذا تقلق الأسرة من الامتحانات؟

لماذا يقلق الآباء ويقولون: لقد فشلنا؟ لماذا يفشل الآباء؟ أرى أن الداعي إلى هذا الفشل أمرين:

الأول: عدم تحديد ووضوح الهدف:

بمعنى أن الآباء يركزون على الدرجات والتفوق الدراسي بغض النظر على التركيز على العمل والمذاكرة وبذل الجهد؛ وذلك بدلاً من التركيز على شخصية الابن وتنميته، فيخسرون الدرجات والشخصية معًا.

 

الثاني: الأسلوب الخاطئ مع الأبناء:

في اعتماد المقارنات، والتركيز على الدرجات العالية، دون تبصر بالفروق الفردية، وتنوع القدرات، واختلاف المواهب، وقد وجد بالدراسة أن العمل الجاد والمثابرة أهم من الموهبة!. وعلى ذلك تختفي حالة الطوارئ ومظاهر التوتر: بمنع التليفزيون والتليفون وسحب المحمول، وحجب الكمبيوتر والزيارات والأصحاب.

 

وللأسف من إعلان حالة الطوارئ يبدأ موسم المشكلات الزوجية، في الاختلاف حول ساعات المذاكرة والاهتمام بالامتحانات، ووضع المذاكرة وطبيعتها، وقد تصل الخلافات إلى الهجر بين الزوجين، وتتحول أيام الامتحانات إلى أيام نكد في البيت، يقضي على جو الأمان المطلوب لأبنائنا، ولا حل إلا بالتوازن والاعتدال بين الزوجين، وأخذ إجازة من المشكلات أو تأجيلها إلى وقتٍ ما بعد الامتحانات، وللوصول إلى ذلك أن يعتقد الزوجان بأن المسئولية الحقيقية تقع على الأبناء بزرع الاعتماد على أنفسهم، وأن المفضل لديهما هو أبناؤهما وليست الشهادة أو الدرجات، حتى لا يكره الأولاد المذاكرة المنازع لهما عند الآباء، وحتى لا ينتشر لدى الأبناء الخوف أو الإحباط، وكل ذلك إنما من صنع أيدينا!.

 

ودور الأسرة هنا في التوازن والتشجيع على المذاكرة، والاستعداد للامتحانات، وفي نفس الوقت ممارسة الحياة الطبيعية الحياتية، في النوم والطعام والحديث والترفيه والراحة دون طوارئ، فاستقامة العلاقة بين الزوجين تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الأبناء، فإن أيام الامتحانات تمضي ولكن العلاقات الزوجية هي الباقية والمستمرة والدائمة!!.

 

* وإلى اللقاء بإذن الله في الحلقة الثانية للإجابة عن هذه الأسئلة:

1- هل المذاكرة مهمة الأم فقط؟ وما دور الأب؟ وما أثر غيابه؟

2- هل يوجد نظام غذائي خاص بالامتحانات؟

3- هل الشدة على الأبناء للمذاكرة نافعة؟

4- ما دور الأم في تهيئة جو ملائم للامتحانات؟

5- كيف نجعل الأولاد يعتمدون على أنفسهم؟

6- ماذا تفعل الأم مع أولاد يكرهون المذاكرة؟

7- كيف تسيطر الأم القلقة والمهددة على انفعالاتها؟

-------------------

[email protected]