شاهدت في التليفزيون لقطات لأحد المعتقلين العراقيين وقد ضربه حرس السجن ضربًا مبرحًا، أفضى به للموت، ثم التفَّ الجند حول جثته في فرح غامر، وهم يطلقون رصاصات النصر والابتهاج، فمنهم من يصعد على جثته، ومنهم من يهرس رأسه بحذائه الغليظ، ومنهم من يركله في بطنه.

 

وبعد يومين شاهدت الشاب المصري المتهم بقتل بعض اللبنانيين، وقد سحله الناس في الشارع، ثم جردوه من ملابسه تمامًا، وقاموا بصلبه على عمود إنارة وتعليقه من رقبته وأفواج اللبنانيين تتدافع في مظاهرة تملأ الشوارع من رجال ونساء وأطفال، وهم يلتقطون الصور لهذا الشاب الصريع بتلك الوحشية الدموية السادرة.. ويشاركون في التمثيل بجثته في سعادة وحبور سادي.. وليس يعنيني إن كان المعتقل العراقي مقاومًا وطنيًّا أو مجرمًا أثيمًا، ولست مهمومًا بكون الشاب المصري قاتلاً مذنبًا أم متهمًا بريئًا.

 

فساحة القضاء النزيه وسلطة التحقيق العادل هما فقط المرجع في الحادثة والمناط في المسئولية ومن حقهما وحدهما إصدار الحكم أو توقيع العقاب.. إن الذي شغلني هو هذا التواطؤ الجماعي على الوحشية وهذا الإجماع على القسوة.. فلا تمعَّر وجه أحد للتنكيل بالقتلى، ولا تأفَّف إنسان من التمثيل بالجثث أو تقطيع أوصال الموتى.. بالرغم من شهود نساء وأطفال للواقعة.

 

ماذا حدث لفطرة الإنسان في بلادنا العربية والإسلامية.. ونحن أتباع نبي الرحمة، والذي كان يوصي أصحابه إذا ذبحوا فليحسنوا الذبحة، وكان صلى الله عليه وسلم ينهي عن شحذ السكين أمام الحيوان الأعجم قبل ذبحه، ونهى عن التمثيل بجثث المشركين من قتلى بدر أو التمثيل بالأحياء عندما رفض طلب عمر بن الخطاب بخلع ثنيتي (الأسنان الأمامية) لسهيل بن عمرو، فلا يسيء في خطبه للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال قولته المشهورة: أخشى أن أمثل به فيمثل الله بي.

 

إن هذه الدموية والسادية (التلذذ بتعذيب الضحية) ميراث حكم القهر والتسلط على شعوبنا، والذي ينفث عن نفسه بهذا الشكل المرضي، بدءًا من المشادات والتصايح مرورًا بالضرب والإيذاء وانتهاءً بالقتل والتنكيل.. روح الغضب التي تسري في المجتمع.. وحدة الطباع في التعامل مع الآخرين.. وجلافة العلاقات بين الأهل والجيران نتاج ضغوط وقهر واستعلاء من سلطان متكبر جبار وحكومة طاغية مستبدة، تبدأ من رئيس الجمهورية الأبدي والقدري في مقعده (لآخر نفس)، مرورًا بنائب الشعب والذي يطالب بإعدام المتظاهرين بالرصاص، ثم لا تنتهي عند أمين الشرطة والذي يفرض سطوته ويتكسب من سلطته بمطاردة بائع مسكين أو بغض الطرف عن مخالف للقوانين.

 

المجتمع أُصيب بحالة من التربص المتبادل والتشكك والريبة بين إفراده.. حالة أورثها لنا نظام حكم متكلس لا يحمل حلمًا قوميًّا.. ولا يحفز الجماهير لغدٍ منشود.. نظام حكم بائس فقير عجز عن خلق قضية يلتف من حولها الناس، ويجاهد في سبيلها الشعب فترك القوم له ساحة السياسة والمجتمع إلى ساحة الكرة واللهو ولا حول ولا قوة إلا بالله.