م. محمد كمال

 

 

الأقلام المخلصة التي تسدي النصح إلى الإخوان كي يقاطعوا الانتخابات، تخشى من مساهمة الجماعة في تأسيس شرعية للنظام الحالي، بمشاركتها في العملية الانتخابية (والتي يتوقع الجميع تزويرها)، والواقع أن الإخوان قد خاضوا انتخابات سياسية ونقابية عديدة منذ عام 1979م، وحتى اليوم، والغالب على تلك الانتخابات كان التزوير، ولكن الذي حدث بعد هذه النزلات السياسية المريرة، أن الإخوان ومن معهم من الوطنيين قد ساهموا في (تأسيس شرعية للمعارضة الحقيقية) التي لم يستطع النظام أن يتلاعب بها، أو أن يستخدمها كديكور يزيِّن به وجهه الملطخ بالظلم والفساد والتعذيب.

 

ومن هنا؛ فإن الدعوة إلى المقاطعة هي دعوة إلى ترك النزال في وقت لم يشتد فيه ساعد المعارضة، كي تفرض شروطها على سلطة الاستبداد القائمة، كما أن المقاطعة عمل أخلاقي نبيل يحرج السلطة إن اتسمت مع ظلمها ببعض أخلاق المروءة كالحياء، ولا نظن أن النظام القائم يُوصف بأي من أخلاقيات النبل والفروسية التي اتصف بها مستبدون كالحجاج بن يوسف ونابليون.

 

ومن هنا؛ فإن داوم منازلته وفضحه وكشف سوءاته يحسم للمعارضة وجودًا حقيقيًّا تحفره بأظافرها، لا بمنة من نظام قد تحرجه المقاطعة!!، وهي مرحلة لا بد من تأسيسها لتُبنى عليها ما بعدها من مراحل لتنتهي بإخضاع النظام إلى كلمة الجماهير، وتأكيدًا لما أقول فإن حركات الاعتراض الشريفة التي هبت في الفترة الأخيرة، كانت دائمًا تحاول كسب النواب الشرفاء الذين أعطوا هذه الحركات دعمًا وتشجيعًا يثبت أقدامها، ويحفظها من تلاعب وبطش النظام؛ لذلك فإن وجود الإخوان في الفصل التشريعي المنقضي كان- في كل صورة- دعمًا للحقوق في مواجهة غاصبيها، وتمثيلاً إعلاميًّا وطنيًّا وعالميًّا مؤثرًا، إذ يحسب لهؤلاء النواب تجردهم عن صفتهم الإخوانية لصالح الصفة الوطنية الأرحب رداءً والأوسع ميدانًا.

 

ولا يغيب عن الواقع السياسي مشاركة هؤلاء النواب في حركة كفاية وجبهة عزيز صدقي، والجبهة الوطنية للتغيير، والاعتراض على التعديلات الدستورية المقيدة للحريات، وتقدمهم صفوف حركة الإصلاح القضائي، والمناداة بالفصل بين السلطات، وقد يكون معبرًا عن المشهد أن ممثلي مصر في أسطول الحرية الفاضح للكيان الصهيوني كانا نائبين من الإخوان، وكل هذا وغيره في إطار الفعل السياسي، أما وقفتهم الجادة في المطالب الحقوقية فمعلومة، وأوسع من الحصر، والمقصد هنا ليس تعديد مناقب الإخوان، بقدر تصور المشهد حال غيابهم، والمعنى، أن الفعل السياسي بالمشاركة أعطى نتائج يلمسها الشارع السياسي، أما الدعوة إلى المقاطعة في ظل الظروف الراهنة، فإن أصحابها الكرام لم يصفوا لنا النتائج الإيجابية المتوقعة منها، فضلاً عن أن يضمنوا منها شيئًا.

 

إن الجميع متفق على مجموعة من الحقائق، وهي غياب مناخ سياسي صحي، وانتهاك منظم للشعب، وإرهاب سلطوي للمثقفين أفرادًا وجماعات، وغياب إرادة جماعية في مواجهة سلطة غاشمة مسيطرة على أركان الدولة والحياة، فهل هذه السلطة ستهتم- والحال هكذا- بمقاطعتها أو ستتحرج أخلاقيًّا؟!.

 

إن المقاطعة ستعطي الاستبداد حقًّا جديدًا في مطاردة جميع معارضيها، وستنجح في قطع اتصالهم بالشعب الذي يحتاجهم بشدة في هذه المرحلة، هذه دعوتي لإخواني في مكتب الإرشاد للانحياز إلى المشاركة، فالواقع الإخواني قد بلغ نضجًا واتساعًا يحتاج إلى حسن توظيفه في أهم معارك الأمة، حتى نجبر النظام على الانصياع إلى مطالب الأمة، ولئلا ينفرد بالمشهد السياسي كله، ثم يترك لنا أفلام عادل إمام ومجموعة صحف تسخر منه وتهاجمه!.

-----------

باحث في العلوم السياسية