هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال وهو يغادر مكة، بعدما ذاق من أهلها العنت والأذى؛ "والله إنك أحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إليَّ.. ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من مات دون أرضه فهو شهيد".

 

سألني بعض الإخوة الكرام (من باب الإشفاق)؛ لماذا الحرص على الإسهام والمشاركة في الانتخابات مع أن النتيجة محسومة سلفًا، والتزوير قائم على قدم وساق.. والبلطجة مستعدة.. وألوان النفاق تمارس دورها على جميع الأصعدة؟!.

 

كما تردد نفس السؤال على صفحات بعض الصحف.. وقديمًا قالها البعض.. ماذا تفيدون بعملكم ودعوتكم.. فلا كسب ولا مغنم.. بل أنتم تتعرضون في كل وقت لكل أنواع الخسف والقهر ومن التعذيب والسجن والتشريد؟!.

 

وكأنه يخفى على القائل إن ثمن الحرية غالٍ والثبات على الحق أغلى وأثمن.

 

ونظرة في تاريخ البشرية.. يرد على هذه التخرصات.. ويلجم تلك التساؤلات.

 

فكم عانى أكرم الخلق على الله (الرسل والأنبياء) وبعضهم ما آمن معه إلا قليل.. وكم لاقى المصلحون في سبيل نصرة دعوتهم للحق، وعذبوا وماتوا، وما عرفت دعوتهم إلا بعد مماتهم.

 

نخلص مما سبق.. أن دعاة الحق والإصلاح والساعين للخير؛ عليهم أن يعملوا ويجدوا ويجتهدوا مهما لاقوا من الصعاب ومهما ضُيِّقت عليهم السبل.. أما النتائج فحسابها عند الله.

 

ولو أن كل عامل أو داعية أحبطت حسابات النتائج جهده ما كان للإصلاح والمصلحين وجود.. وما كان للجهاد في سبيل الوطن الوصول للغاية مكان.. ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)﴾ (إبراهيم).

 

إن شاغلنا الشاغل هو مصلحة الأمة، والعمل على تخليصها مما يعتورها من فساد وتخريب ونهب لمقدراتها.. وإن كل ما يهمنا هو المشاركة الفعالة والإيجابية لكل ما يحقق لها الأمن والآمان، والبعد عن الهيمنة الأمريكية الصهيونية.. والعودة بها إلى ما يضمن لها مكانتها وعزتها وكرامتها.. وهذا الذي يدعونا إلى نقدِّم الغالي والنفيس من الجهد والوقت لتحقيق هذه الأمنيات.

 

هذا الذي يدعونا إلى نمد اليد المخلصة لكل يد شريفة تدفع في هذا المجال.. ونفتح القلوب لكل قلب مخلص يعمل لمصلحة هذه الأمة وهذا الوطن.. الذي ابتلي بنظام شعاره النهب والسلب والفساد والاستبداد.. إن المشاركة الفعالة واجبة على كل وطني شريف حتى لا نترك المجال لهؤلاء الذين استغلوا الوطن لمصالحهم الشخصية ومطامعهم الدنيوية.. ولو أُخليت لهم الساحة لزادهم ذلك توغلاً ونهمًا وتسلطًا وشراسةً.

 

ألا فليعلم الجميع.. أن أمتنا أغلى علينا من أنفسنا.. وأننا إذ نقدم أنفسنا مضحين بالوقت والجهد والمال.. إنما نرجو بذلك رضاء الله أولاً، ومقاومة الظلم والظالمين الفاسدين ثانيًا.. وليست القضية (كما يحسبها البعض) بعدد المقاعد التي سنحصل عليها، فهذا آخر ما نسعى إليه.

 

إنما قصدنا:

1- أن يعلم الناس من نحن وما هي قضيتنا.. وما هي غايتنا.. بعد أن ظلت أبواق البهتان عقودًا من الزمن تحاول النيل منا وتشويه صورتنا.

2- أن يعلم الجميع أن مناهج الإصلاح التي ننادي بها وننتهجها ونتخذها وسيلة للوصول لغايتنا؛ هي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي ليست بدعًا ولا كلامًا مرسلاً.

3- أن يثق الناس جميعًا أننا لا نسعى لأمجاد شخصية أو مكاسب مادية.. فالله قد أغنانا من فضله.

4- وأن ما ننفقه في مشاركتنا هو من خاصتنا ومن جيوبنا وأموالنا.

5- لن يثنينا ظلم الظالمين ولا قهر المتجبرين عن مواصلة العمل لتحقيق ما نرجوه.. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)﴾ (يوسف).

6- يقولون إننا بمشاركتنا في الانتخابات إنما نعطي للنظام مشروعية والجميع يعلم (داخليًّا وخارجيًّا) أن النظام يستمد مشروعيته من البلطجة وعصا القهر.. ونحن نستمد مشروعيتنا من الشارع المصري الأصيل الحريص على أمته ووطنه.

7- هل سنظل ساكتين أمام ما يجري من تزوير أم نقاوم هذا السوء والفساد بكل ما أُوتينا من قوة؟!.

8- يطالبنا البعض بمقاطعة الانتخابات.. وقد أعلناها بكل وضوح مع رموز العمل الوطني والمطالبين بالتغيير؛ أننا نرنو إلى التغيير المرتبط بالإصلاح، وأننا على استعداد على تنفيذ ما تتفق عليه إرادة الأمة، ولكن للأسف لم يتم التوافق على المقاطعة، وأعلن البعض نيته في المشاركة.

9- إن أداء إخواننا في البرلمان كان على أعلى مستوى، وإنجازاتهم المنشورة في كل مكان تشهد لهم (رغم العنت الذي كانوا يلاقونه أثناء الجلسات)؛ فليراجع الجميع ما قدموا وعن أية قضايا دافعوا.

10- أننا إذ نمارس العمل السياسي (وهو جزء من منهجنا الدعوي) فإنما نمارسه بأخلاقياتنا التي ترتكز على الصدق والصراحة والشفافية.

11- لقد كان النظام يتمنى أن نغيب عن الساحة.. وبذلك يتخلص من منافسه الحقيقي.. عندئذٍ ستكون الانتخابات نزيهة ويباهي العالم بذلك.

12- كما تعودنا، فقد رجعنا إلى مجلس شورى الجماعة الذي وافق على المشاركة في الانتخابات بأغلبية مميزة.

 

وأخيرًا.. نقولها: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (غافر: من الآية 44).

------------

* نائب المرشد العام للإخوان المسلمين