- د. سيف الدين عبد الفتاح: "الكرامة".. شعار مصر داخليًّا وخارجيًّا

- د. حسن أبو طالب: السياسة الخارجية انتقلت من المخلوع للشعب

- د. محمد البلتاجي: الهيبة المصرية بدأت في العودة تدريجيًّا للعالم

- د. طارق فهمي: الكيان أدرك أن مصر الثورة يحكمها المصريون

- د. عطية العيسوي: مصر عادت لقيادة إفريقيا وسياسة التعالي زالت

- د. محمود العجمي: الشعب المصري الآن يحدد سياسة الدولة

 

تحقيق- أحمد هزاع:

أنظمة ما قبل ثورة 25 يناير لن تعود.. قاعدة يؤكدها المصريون في كلِّ يوم منذ انطلاق الثورة قبل عام.. ليس فقط الأنظمة السياسية ولكن أيضًا هيكلة وبناء وحتى أخلاق المجتمع كله.
ويتبع التغيير الداخلي آخر خارجي في سياسة مصر الخارجية ووضعها الإقليمي ودورها المحوري بالعالم أجمع، في زمن ترسخت به الهيمنة الأمريكية عالميًّا.

 

وبدا جليًّا التغير النسبي في مواقف مصر الخارجية بعد الثورة، واستعادتها لجزء من دورها ومكانتها التي افتقدتها قبل الثورة، ما تبعه تمسك العرب بمصرية منصب الأمين العام للجامعة العربية، والتوصل لإتمام المصالحة الفلسطينية، وقيام القاهرة بدور فاعل في صفقة تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والصهاينة بإطلاق سراح 1027 أسيرًا فلسطينيًّا مقابل الجندي الصهيوني "جلعاد شاليط".

 

وعلى المستوى الإفريقي أزالت القاهرة ستار الماضي وقدمت رؤية جديدة لإفريقيا، خاصة دول حوض النيل من خلال الجولات الشعبية والرسمية في القارة السمراء بعد أن كانت تتسم بالتعالي والكبر مند محاولة اغتيال الرئيس المخلوع في أديس أبابا عام 1995م، فيما لم تقدم القاهرة الدعم الكافي للثورات العربية في ليبيا واليمن وسوريا، وذلك لانشغالها بالأمور الداخلية.

 

(إخوان أون لاين) يناقش الخبراء حول استعادة الخارجية المصرية عافيتها بعد الثورة، وخريطة التعامل مع دول الجوار والدول الغربية في سياق التحقيق التالي:

 الصورة غير متاحة

 د. حسن أبو طالب

 

بداية يرى الدكتور حسن أبو طالب، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن سياسة الخارجية المصرية بعد ثورة الـ25 من يناير قد تغيرت بمقدار كبير بالمقارنة بفترة ما قبل الثورة، وذلك للإرادة الشعبية الجارفة لتحقيق الذات المصرية، وعودة هيبة الدولة المصرية والمواطن المصري خارج البلاد قبل داخله.

 

ويضيف أن الثورة المصرية أبهرت العالم الخارجي كله، وعلمت كل شعوب العالم أن هناك أناسًا مصريين يريدون أن يقدموا الغالي والنفيس من أجل عودة الكرامة واسترداد عزتهم حتى لو كلفهم ذلك أموالهم وأولادهم وحياتهم، وأنهم قاوموا نظامًا من أعتى الأنظمة طغيانًا وجبروتًا ولا يعنيهم أي سلطة داخليًّا وخارجيًّا تريد أن تسطو على شرفهم وكبريائهم؛ ما جعل دول العالم الغربي والشرقي على حدٍّ سواء تحترم السيادة المصرية، وتكنّ لها ألف حساب.

 

ويؤكد د. أبو طالب أن سياسة مصر الخارجية قبل الثورة كانت تقوم على المصلحة الفردية للقائمين عليها واللاعبين فيها دون النظر للمصلحة العليا للبلاد، مضيفًا أن الخارجية المصرية كانت تتلقى أوامر من بعض الدول وتنفذها دون نقاش أو استبطاء حتى وإن تناقضت مع مصالح الدولة المصرية؛ ما جعل نصيب مصر الخارجي بين الدول يسير من سيئ إلى أسوأ حتى قامت ثورة يناير وأعادت الكثير من دور مصر الرائد.

 

وعن الصمت المصري تجاه ما يحدث في البلدان العربية أو ما يُعرف بـ"ثورات الربيع العربي" خاصة في سوريا واليمن ومن قبلهما ليبيا، يوضح أن السبب يرجع في الأساس إلى ثلاثة عوامل رئيسية؛ أولها الانشغال بالشأن الداخلي على حساب الخارجي، وعدم وجود رمز في الخارجية المصرية يمكن الاعتماد عليه، بالإضافة إلى عدم وضوح رؤية الحكومة الحالية تجاه القضايا الخارجية.

 

ويتابع: مصر حاليًّا مشغولة بالقضايا الداخلية الأكثر تعقيدًا مثل الانتخابات والدستور وغير ذلك من القضايا، والحكومة الحالية والحكومات السابقة بعد الثورة ليس لها رؤية واضحة تجاه القضايا الخارجية وهي مشغولة دائمًا بقضايا الشباب والثورة وغير ذلك؛ خوفًا من الانتقاد من قبلهم.

 

ويستطرد قائلاً: "إن الموقف العربي يمرُّ بأزمة خطيرة تتمثل في فقده عنصرين من عناصر القوة، وهما مصر وسوريا اللتان كانتا تقودان الخارجية العربية فيما مضى بالاشتراك مع المملكة العربية السعودية واستقطاب دول أخرى مثل قطر، فالآن الجناحان مكسوران، فمصر مشغولة بالداخل وسوريا هي موضع القضية".

 

الكرامة المصرية

 الصورة غير متاحة

د. سيف الدين عبد الفتاح

ويبين الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن العلاقات الدولية تقوم على المصالح المشتركة في معظم الأحوال، وتقوم أحيانًا على الانتهازية واستضعاف الدول، وهي الحالة الضعيفة التي كانت عليها الخارجية المصرية قبل الثورة، أما الخيار الثاني وهو الندية في التعامل، فهو الأسلوب التي تريد مصر الثورة أن تسير عليه مستقبلاً.

 

ويضيف د. عبد الفتاح أن المصريين قاموا بالثورة تحت شعار "عودة الكرامة" سواء كانت داخل مصر عن طريق تكافئ الفرص والعدالة الاجتماعية أو على الصعيد الخارجي عن طريق الاحترام المتبادل والندية في التعامل بين الخارجية المصرية وكل دول العالم القاصي والداني، وأن مصلحة مصر تعلو ولا يعلى عليها.

 

ويلفت إلى أن مصر بدأت تدريجيًّا في استعادة دورها العربي والإقليمي والدولي بعد الثورة استجابة للرغبة الشعبية، وهو ما جعل العديد من الدول تعامل الجاليات المصرية بصورة راقية عن التي كانت قبل الثورة، وأعلنت الدول الغربية احترامها الكامل للثورة المصرية والتعامل مع أي حكومة تأتي باختيار الشعب المصري، وذلك لما لمصر من مكانة جغرافية وتاريخية تؤهلها للاحترام الدولي.

 

ويوضح أن الشعب المصري نال الكثير من الأذى داخليًّا وخارجيًّا؛ بسبب غفلة الأنظمة الحاكمة عن رعاياها، وهو ما لا يقبله المصريون بعد اليوم، واكتسب القائمون على الخارجية المصرية بعضًا من الهيبة المصرية التي افتقدتها الدولة المصرية في العقود الأخيرة، والفترة المقبلة ستشهد ازدهارًا مصريًّا في جميع مجالات الدولة وفي مقدمتها النواحي الخارجية.

 

تقدم للمزيد

 الصورة غير متاحة

د. محمد البلتاجي

ويصف الدكتور محمد البلتاجي، عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة وأمينه بالقاهرة، السياسة الخارجية المصرية قبل الثورة بالجسد بدون روح، وأصبحت الروح بعد الثورة تعود شيئًا فشيئًا ولكنها لم تعد كاملة حتى الآن.

 

ويضيف أن خارجية مصر قبل ثورة يناير كانت تنم عن سياسة المخلوع ورأيه ولا تمت بصلة بالشعب المصري ولا حتى مفكريه السياسيين الشرفاء، مؤكدًا أن خارجية مبارك جعلت مكانة مصر في المؤخرة بين جميع دول العالم.

 

ويرى البلتاجي أن أسوأ ما فعلته الخارجية المصرية قبل الثورة هو المشاركة في حصار غزة مع الصهاينة، ووقوفهم المخزي من العدوان عليها، لذلك كان أول مطلب شعبي لإصلاح الخارجية وعودة دور مصر القيادي في المنطقة وفي العالم فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين دون قيد أو شرط، وهو ما فعله نبيل العربي وزير الخارجية السابق.

 

ويؤكد أن العلاقة مع الولايات المتحدة تقوم على الندية والتعامل بالمثل، وكان هذا الموقف جليًّا عندما رفضت الحكومة المصرية بناءً على رغبة الشعب المعونة الأمريكية المشروطة في ظلِّ الأزمة الاقتصادية التي تمرُّ بها مصر الآن.

 

وفي المجمل يقول د. البلتاجي: إن السياسة الخارجية لمصر استعادت بعض دورها، والمصريون في داخل مصر وخارجها ينتظرون عودة دور مصر الإقليمي والدولي مرة أخرى؛ حتى يشعر المصري بالفخر تجاه مصريته خارجيًّا قبل أن يكون داخليًّا.

 

اهتمام إفريقي

 الصورة غير متاحة

د. عطية العيسوي

ويشير الدكتور عطية العيسوي، الخبير في الشئون الإفريقية، إلى أن سياسة مصر الخارجية تجاه إفريقيا قبل الثورة كانت تتسم بالتعالي على الدول الإفريقية، ومعاملتها كدول من الدرجة الثالثة على الرغم من أن لمصر مصالح كبرى داخل القارة السمراء أبرزها نهر النيل الذي يعد شريان الحياة بالنسبة للمصريين.

 

ويضيف أن الدول الإفريقية خاصة دول حوض النيل تحتوي على الكثير من الخيرات وأرضها خصبة للتنمية الاقتصادية والاستثمار، مؤكدًا أن النظام البائد قضى على الريادة المصرية والدور القيادي لها؛ ما جعل الدول الإفريقية تضطر إلى التعاون مع الصهاينة والغرب، وإقامة مشاريع على نهر النيل خاصة في إثيوبيا وتجاهل مصر تمامًا.

 

ويرى د. العيسوي أن الملف الإفريقي حظي بقسط كبير من الاهتمام بعد الثورة المصرية التي أبهرت العالم كله؛ حيث استطاعت مصر إعادة وصل الأوتار الإفريقية المقطوعة، وذلك بعد تعالٍ وتجاهل وإهمال دام عقودًا، فجاء الموقف المصري على المستويين الشعبي والرسمي لتؤكد مصر الثورة أنها تريد إزاحة ستار الماضي بينها وبين جميع دول القارة.

 

ويؤكد أن عام الثورة شهِد نجاح الخارجية المصرية في عودة العلاقات مع إثيوبيا أحد الأضلاع القوية في دول حوض النيل، وإزالة حالة الشك والريبة في العلاقات معها، والتي توجت بزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي إلى القاهرة، وتحاول مصر من جهة أخرى إيجاد صيغة توافقية على البند المختلف عليه بالاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل.

 

ويستطرد أن الخارجية المصرية نجحت في إعادة أنشطة دول الحوض الشرقي "مصر والسودان وإثيوبيا" والتي توقفت قبل الثورة بسبب الخلافات لتتحرك مرة أخرى، وتتحاور الدول الإفريقية الثلاث حول تقييم سد الألفية الذي بدأت إثيوبيا في بنائه مؤخرًا.

 

الضغط الشعبي

"السياسة الخارجية تتقدم بناءً على رغبة وإلحاح الشعب"، هكذا بدأ الدكتور محمود العجمي أستاذ العلوم السياسية والخبير في العلاقات الدولية في تقييم السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة، مضيفًا أن المطالب الشعبية هي التي تحرك القادة السياسيين، وأن فساد سياسة مصر الخارجية قبل الثورة كانت بسبب عدم إلحاح الشعب المصري خاصة العاملين بالخارج لاسترداد كرامتهم المسلوبة بفعل النظام السابق.

 

ويوضح أن مطالب الثوار كانت العيش الكريم للمصريين في الداخل والخارج، والتعامل الآدمي من قبل السلطات الحاكمة في الداخل، والضغط الشعبي لعودة الكرامة المفتقدة خارجيًّا، لذلك كان الرفض المصري القاطع من قبل السلطات الحاكمة للمعونة الأمريكية المشروطة بعد الثورة بسبب الضغط الشعبي الجارف.

 

ويضيف د. العجمي أن وزير الخارجية الأسبق نبيل العربي كان يعمل بناءً على اختيار ميدان التحرير رمز الثورة المصرية لذا أنجز مهمة المصالحة الفلسطينية الفلسطينية بعد أيام قلائل من نجاح الثورة المصرية، وكذلك طالب بفتح معبر رفح، وإتمام صفقة تبادل الأسرى بعد أن فشل النظام البائد طيلة عدة سنوات إنجاز أي مهمة بخصوص الشأن الفلسطيني.

 

العدو الأول

ويرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الشعوب العربية جميعها وفي مقدمتها الشعب المصري تتعامل مع الصهاينة على أنهم العدو الأول في المنطقة، وأنه لا يمكن أن يحدث معهم سلام والعيش معًا في أمان، مؤكدًا أن آخر الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة تؤكد أن 54% من الشعب المصري يرفض بشدة معاهدة السلام المبرمة بين الجانب المصري والصهيوني مند عام 1979م.

 

ويؤكد أن الصهاينة هم الأكثر تضررًا من الثورة المصرية؛ لأن الشعب المصري لن يرضى بعد اليوم بانتهاك الصهاينة لحرمة الأرض والدماء المصرية مهما كان الثمن، مضيفًا أن العدوان الأخير على الجنود المصريين على الحدود أعقبه غضب شعبي جارف نال كل أرجاء الدولة المصرية؛ ما جعل الكيان يعتذر رسميًّا دون إبطاء عن مقتل الجنود والوعد بعدم تكراراها، رغم أن تركيا لم تنجح حتى الآن في الحصول على اعتذار رسمي من الصهاينة جراء اقتحام السفينة التركية "مرمرة" العام قبل الماضي بعد استشهاد العديد من الأتراك.

 

ويضيف د. فهمي أنه بسبب الضغط الشعبي بعد ثورة يناير لعودة الكرامة المصرية مجددًا، كان لزامًا على المجلس العسكري والحكومة المصرية إعادة النظر مجددًا لترتيب أوراقها مع تل أبيب، سواء على مسار قضية تصدير الغاز أو الملف الفلسطيني أو فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني بشكل عام.

 

ويستطرد أن الشعب المصري بعد انتهاك الصهاينة للحدود المصرية طالب وبقوة بإلغاء كامب ديفيد، وأخذ الثأر المصري، ومحاربة الصهاينة، وهو ما يؤكد بقوة أن المصريين لن يقبلوا بعد اليوم بانتهاك حقوقهم من قبل أي دولة مهما كانت، وأن الكرامة المصرية هي الهدف الأسمى للمصريين.