هناك سؤال تكرر عشرات المرات في موضوع العلاقات الاجتماعية بالنظر لمؤيدي الانقلاب ووصلهم لا سيما إن كانوا من ذوي الأرحام، وهل تعطى لهم الزكاة، مما يستحق النشر حتى لا يتكرر السؤال؛ ولأنه من الأهمية بمكان:

 

يسأل الكثيرون: "أبي أو أمي، أخي أو أختي، ابن عمي أو ابن عمتي، ابن خالي أو ابن خالتي، جاري أو زميلي في العمل .. ممن يؤيدون الانقلاب، ويشمتون في الشهداء، ويحرضون على القتل، ويدفعون لمزيد من إبادة معارضي الانقلاب، وأنا لا أجد في نفسي قدرة على التواصل معهم أو السلام عليهم، أو الاتصال بهم، فما الحكم وبخاصة إن كانوا من ذوي الرحم؟!".

 

ويسأل البعض كذلك عن مؤيدي العسكر: هل يجوز دفع الزكاة لهم؟ والإحسان إليهم؟!

 

والجواب بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله: أن من الكوارث التي خلفها هذا الانقلاب العسكري هو الشرخ الاجتماعي الخطير الذي أحدثه في المجتمع، عبر أبواقه الإعلامية، بما حرضه من كراهية، وما أودعه من بغضاء، وما أحدثه من تفسخ اجتماعي وتحلل أخلاقي، حتى صار الأبناء يكرهون آباءهم، والزملاء يقاطعون أصدقاءهم، والأرحام مقطعة بسبب "إحنا شعب وانتو شعب، ليكم رب ولينا رب".

 

وإذا كنا نحتاج خمس سنوات أو عشر سنوات لعلاج الحياة السياسية بعد كسر الانقلاب ، فإننا بحاجة إلى عشرات السنين لمعالجة التحلل الاجتماعي والانفلات الأخلاقي.

 

ولا شك أن ما جرى من "شعب" منهما من شماتة في القتل، وتحريض على مزيد من إزهاق الأرواح دليل على فقدانهم الإنسانية، ومغادرتهم الآدمية التي خلق الله الناس عليها وكرمهم وشرفهم وكلفهم، "ولقد كرمنا بني آدم" وأودع فيهم فطرة تأبى ما يجري "فطرة الله التي فطر الناس عليها"، وقد قال الشاعر:

 

وليس الذئبُ يأكل لحمَ ذئبٍ *** ويأكل بعضُنا بعضًا عيانًا

 

والذي لا يزال على فطرته، ويتمسك بإنسانيته يستنكر بطبعه ما فعله "مجرمو العسكر" بما لم يشهده تاريخ مصر قديما وحديثا، ومنهم الذين فقدوا ابنا أو بنتا، وأخا أو أختا، وزوجا أو زوجة، وصديقا أو حبيبا، فإذا سمع من يشمت بالضحايا ويؤيد مزيدا من القتل، يجد من الصعوبة بمكان التواصل الاجتماعي مع هؤلاء، وتكون المشكلة أكبر إن كان هؤلاء الشامتون من ذوي الأرحام.

 

والنصوص الشرعية الواردة في صلة الرحم توجب الحفاظ على الحد الأدنى منها إن لم يترتب على هذا ضرر جسيم، وإن استطاع أن يؤدي الحد الأعلى منها فذلك يرجع لمدى طاقة الإنسان التي يقدر عليها، ولْيُخْضع نفسه للشرع مخالفا الطبع، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

 

أما العلاقات الأخرى فيسعه ألا يبادر بالوصال مع من يؤيدون هذا الإجرام ويحرضون عليه ويطالبون بالمزيد منه، وإلقاء السلام سنة، ولكن رده فريضة، ولا يلزم من عدم الوصل القطعُ، فقد تفتر العلاقات وتضعف، لكنها قائمة وموجودة، ومن تحملت نفسه الوصال فليفعل، وهناك واجبات إنسانية وحقوق أساسية ينبغي أن نحافظ عليها، وهي ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ . قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ". رواه مسلم.

 

أما الزكاة فلا علاقة لها بتأييد أو رفض الانقلاب، وإنما المعيار فيها هو مدى تحقق الآخذ لها بمعايير المصارف الثمانية، فإن كان من أهلها فهو يستحق الزكاة، وليستحضر المُعطي أنه يؤدي حقا لله مبتغيا رضاه، عسى أن تكون سببا في رد الآخذين إلى إنسانيتهم، وتبصيرهم بالحق والحقيقة.

 

ونصيحتي لإخواني والذين سألوني أن يحافظوا قدر المستطاع على العلاقات الاجتماعية، فالانقلاب إلى زوال، وسيبقى المجتمع، وستدوم العلاقات، ولنجاهد أنفسنا أن يظل الحد الباقي من التماسك الاجتماعي موجودا، فالتماسك الاجتماعي من مقاصد الإسلام، ومن غايات الشريعة التي يسعى الإسلام بأحكامه إلى بنائها وينشد الحفاظ عليها، وندعو الله أن تزول هذه الغمة، وتنقشع الظلمة، ويعود الصفاء الاجتماعي والرقي الأخلاقي إلى مجتمعاتنا، وما ذلك على الله بعزيز، والله أعلم.