أجاب عنها: فضيلة الشيخ سعد الدسوقي- من علماء الأزهر الشريف:

* ما حكم النيابة في الحج والعمرة؟ وهل يشترط فيمن يحج عن غيره أن يكون قد حج عن نفسه أولاً؟

** الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من حديث أبي رزين العقيلي حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن أباه شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن- أي ركوب الدواب في السفر- فقال عليه الصلاة والسلام "حج عن أبيك واعتمر" (أحمد والنسائي).

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إن أبي مات وعليه حجة الإسلام أفأحج عنه، قال: "أرأيت لو أن أباك ترك دينًا عليه أتقضيه عنه؟ قال: نعم، قال: فاحجج عن أبيك" (الدارقطني).

 

من خلال هذين النصين الشريفين وغيرهما مما ورد معناهما، يتبين لنا صحة أداء الحج والعمرة عن الغير، إذا كان هذا الغير عاجزًا عن أدائها بسبب كبر سنه أو غيره من العوارض الدائمة، التي لا يرجى زوالها ويحصل لمن أدَّى عنه الحج والعمرة ثوابهما إن شاء الله تعالى سواء كان ذلك عن نذر أو فرض أو تطوع، غاية ما في الأمر أن الشخص المؤدي الحج والعمرة عن الغير يجب أن يكون قد أدَّى النسك عن نفسه أولاً، بمعنى أن من أراد أن يحج عن غيره، فإنه يجب أن يكون قد حج عن نفسه أولاً، وذلك من أراد أن يعتمر عن غيره، فإنه يجب أن يكون قد اعتمر عن نفسه أولاً، فقد أخرج أبو داود وابن ماجة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك اللهم عن شبرمة، فقال: من شبرمة؟ قال: أخ لي، أو قريب لي، قال: "حججت عن نفسك" قال: لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم "حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة" (أبو داود وابن ماجة).

 

وفي رواية لابن ماجة: قال: "فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة" (ابن ماجة وابن حبان)، فهذا الحديث صريح في اشتراط عمل النسك سواء كان حجًّا أو عمرةً عن النفس أولاً ثم عمله عن الغير.

 

رزقنا الله جميعًا حجًّا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وصلى الله على سيدنا محمد.

 

تقبيل الحجر الأسود

* ما الحكمة من تقبيل الحجر الأسود؟ أليس تقبيله يعدُّ تعظيمًا له، والتعظيم لون من ألوان العبادة، والعبادة لا تكون إلا لله عزَّ وجلَّ؟

** الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

روى البخاري عن ابن عمر أنه سئل عن استلام الحجر الأسود، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسلمه ويقبله.

 

وعن نافع قال: رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده ثم قبل يده، وقال: "ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله" (متفق عليه).

 

وعن عمر: أنه كان يقبل الحجر الأسود ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" (خ. م. أحمد وأبي داود والترمذي).

 

وقال الطبراني: إنما قال عمر ذلك؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشى أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار كما كانت تفعل العرب في الجاهلية، فأراد أن يعلم الناس أن استلام الحجر اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا لأن الحجر يضر وينفع بذاته، كما كانوا يعبدون الأوثان هذا من ناحية العلم، وأما من ناحية الدين فالمؤمنون يعرفون تمام المعرفة أنه يقوم أول ما يقوم على الإيمان بالغيب: "في جانب الاعتقاد"، وعلى الخضوع والانقياد لأمر الله: "في جانب العمل" وهذا هو معنى لفظ الدين، ولفظ العبادة.

 

والإسلام باعتباره دينًا لا يخلو من جانب تعبدي محض، وإن كان أقل الأديان في ذلك- وفي الحج خاصة- كثيرًا من الأعمال التعبدية، ومنها تقبيل الحجر الأسود والأمور التعبدية هي التي تعقل حكمتها الكلية وإن لم يفهم معناها الجزئي، والحكمة العامة فيها حكمة التكليف نفسه، وهي ابتلاء الله لعباده ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.

 

الأمور التعبدية هي التي تكشف عن العبودية الصادقة لله من العبودية الزائفة للعبد الصادق يقول عند أمر الله مقالة الرسول والمؤمنين (سمعنا وأطعنا) والعبد المتمرد على ربه يقول ما قاله اليهود من قبل (سمعنا وعصينا) ولو كان ما يكلف به العبد مفهوم الحكمة للعقل جملةً وتفصيلاً، لكان الإنسان حينما يتمثل إنما يطيع عقله قبل أن يكون مطيعًا لربه، وحسب المسلم أنه وحين يطوف بالبيت، أو يستلم الحجر يعتقد أن هذا البيت فيه أثر من آثار إبراهيم عليه السلام، وهو محطم الأصنام، ورسول التوحيد وأب الملة الحنيفية السمحة ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)﴾ (النحل).

والله تعالى أعلم.

 

كيفية التلبية

* التلبية تعبير عن إخلاص التوحيد فما لفظها وما معانيها باختصار؟ وماذا عن آدابها وحكمها؟

** الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..

أجمع العلماء على أن التلبية مشروعة، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا آل محمد من صبح منكم فليهل في حجه" أو (حجته) (رواه أحمد وابن حبان).

 

وقد اختلفوا في حكمها، وفي وقتها، وفي حكم من آخرها:

فذهب البعض إلى أنها سنة ويستحب اتصالها بالإحرام فلو نوى النسك ولم يلب، صح نسكه، دون أن يلزمه شيء، لأن الإحرام عندهم ينعقد بمجرد النية وهذا عند الشافعية وأحمد.

 

ويرى الأحناف أن التلبية أو ما يقوم مقامها مما هو في معناها؛ كالتسبيح وسوق الهدي شرط من شروط الإحرام، فلو حرم ولم يلب أو لو يسبح، أو لم يسق الهدي، فلا حرام له، وهذا مبني على أن الإحرام عندهم مركب من النية، وعمل من أعمال الحج.

 

فإذا نوى الإحرام، وعمل عملاً من أعمال النسك، فسبح، أو هلل أو ساق الهدي، ولم يلب، فإن إحرامه ينعقد، ويلزمه بترك التلبية دم.

 

وجمهور مذهب مالك أنها واجبة يلزمه بتركها أو ترك اتصالها بالإحرام مع الطول دم.

 

لفظها: روى مالك، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" (البخاري ومسلم).

 

فضلها: روى ابن ماجة عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من محرم يضحي لله يومه (أي يظل يومه) يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه، فعاد كما ولدته أمه" (ابن ماجة).

 

ويستحب الجهر بها فعن زيد بن خالد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاءني جبريل عليه السلام فقال: مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها شعائر الحج" (ابن ماجة وأحمد والحاكم).

 

المواطن التي يستحب فيها التلبية

تستحب التلبية في مواطن عند الركوب أو النزول وكلما علا شرفًا، أو هبط واديًا، أو لقي ركبًا، وفي دبر كل صلاة، وبالأسحار، وقال الشافعي: ونحن نسحبها على كل حال.

 

وقتها: ويبدأ وقتها من وقت الإحرام إلى رمي جمرة العقبة يوم النحر بأول حصاة، ثم يقطعها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة (رواه الجماعة)، وهذا مذهب الثوري، والأحناف والشافعي وجمهور العلماء.

 

والتلبية استجابة لأمر الله وإفراده وحده بإتمام الحج والعمرة، كما قال عزَّ وجلَّ ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ (البقرة: من الآية 196)، فقد كان المشركون في الجاهلية يشركون في تلبيتهم غير الله يقولون: (لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك)، يقولون هذا الكلام وهم يطوفون بالبيت، ولذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى بإتمام الحج والعمرة لله في إخلاص كامل له سبحانه وتعالى لا رياء فيها ولا سمعة، فكانت تلبية النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" (مسلم).

 

فهي تتضمن: إجابة الدعوة والإقرار بسمع رب العالمين والتقرب إليه سبحانه وتعالى.

 

والمرأة لا ترفع صوتها بالتلبية بل رفع الصوت بها للرجال.

والله أعلم.

 

الأيام المعلومات

* ما الأيام المعلومات في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ (الحج: من الآية 28)، وما المقصود بالحج الأكبر في قوله: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ (التوبة: من الآية 3).

** الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..

عن ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعلومات أيام العشر وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم به، وهو مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد بن حنبل.

 

وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه" قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء" (صحيح البخاري).

 

أما المقصود بالحج الأكبر في الآية في سورة التوبة: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ (التوبة: من الآية 3).

 

اختلف الفقهاء في المراد بالحج الأكبر، فذهب عطاء ومجاهد إلى أن الحج الأكبر، الذي فيه الوقوف بعرفة، والأصغر: العمرة، وعن الحسن: إنما سمي بالأكبر؛ لأنه حج فيه أبو بكر الصديق، ونبذت فيه العهود وكان ذلك في العام التاسع من الهجرة.

 

وقال ابن سيرين: يوم الحج الأكبر العام الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع: وقيل: (الحج الأكبر: يوم عرفة وهو مذهب أبي حنيفة وبه قال الشافعي، لما رواه إسماعيل القاضي عن مخرمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوم الحج الأكبر يوم عرفة"، وعند الإمام مالك أنه يوم النحر.

والله تعالى أعلم.

 

إحرام المرأة

* هل من الواجب على المرأة أن ترتدي في الإحرام بالحج أو العمرة الثياب البيضاء؟

** الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..

فإن الحج فترة تجرد كامل لله سبحانه وتعالى وتوبة واستغفار، وإنابة وأداء شعائر ومناسك، وقطع الصلة بالماضي الذي تشوبه شوائب من هوى النفس ونزغات الشيطان، ومن الرموز لقطع الصلة بالماضي واستقبال عهد جديد، أن يتخلى الإنسان عن ملابسه ليلبس ملابس الإحرام بيضاء ناصعة طاهرة نقية؛ توجيهًا لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان في سره وعلانيته من الصفاء والطهر، فمن كان به مرض يمنعه من لبس ملابس الإحرام، فإن الله سبحانه أرأف به وأرحم من أن يبطل حجه، وإنما عليه أن يذبح شاة بالحرم المكي، أو يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام وهو مخير في هذه الأمور الثلاثة.

 

أما ملابس المرأة فإنها تلبس ملابسها العادية التي تستر كل جسمها وإحرامها، معناه ألا تغطي وجهها ولا كفيها، وأما ما عدا ذلك ففرض عليها أو تستره، ولا يشترط أن تكون بيضاء كملابس الرجال.

والله تعالى أعلم.

 

حج المقترض

* رجل ليس عنده مال يكفيه للحج هل يجوز له أن يقترض ليحج؟

** معلوم أن الحج يجب على المستطيع، ومن الاستطاعة القدرة المالية، فإذا وجد المال الذي يكفي نفقات الحج زائدًا على النفقات الواجبة عليه لمن يعولهم وجب الحج عليه، قال تعالى ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ (آل عمران: من الآية 97).

 

وقد رأى بعض العلماء أن يكون المال زائدًا على نفقته ونفقة مَن يعولهم مدة العمرة الغالب، وليس مدة الغياب في الحج، فلو كان له مورد رزق ثابت يدر عليه سنويًّا أو شهريًّا ما يكفيه هو وأسرته، ولو باع شيئًا منه ليحج أثَّر ذلك على حياته وحياة أسرته تأثيرًا شديدًا يلجئه إلى الاستدانة أو السؤال، فلا يجب عليه الحج عن طريق الاستغناء عن بعض ممتلكاته، لكنه لو فعل ذلك وحجَّ صحَّ حجه وأغناه عن حجة الإسلام، وإن كان لا ينجو من المؤاخذة على ما ألجأ نفسه وأسرته إليه مما لا يرضاه الإسلام.

 

وبالمثل يُقال فيما إذا لم يجد ما يزيد على نفقته ونفقة أسرته فهل يقترض ليحج؟ لا يجب عليه الاقتراض لذلك؛ لأنه يجوز أن يكون له تأثير كبير على دخله وعلى أسرته، وإن كان الاقتراض للحج منهيًّا عنه بدليل الحديث الذي رواه البيهقي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل لم يحج، هل يستقرض للحج؟ فقال "لا" والنهي الذي تضمنه النص قيل للتحريم وقيل للكراهة.

 

حكم التجارة مع الحج

* رجل تعود الحج كل عام ويقصد بذلك شراء سلع وبيعها للربح فيها فهل حجه مقبول؟

** قال الله عزَّ وجلَّ في حكمة الحج الذي أذَّن به إبراهيم ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ....﴾ (الحج)، وقال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 198).

 

إن المنافع التي يشهدها الحاج كثيرة متنوعة منافع دينية ومنافع دنيوية وابتغاء الفضل من الله في موسم الحج بالتجارة والكسب الحلال ليس فيه حرج، وقد جاء في سبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن الناس في أول الحج- أي في الإسلام- كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وذي المجاز موضع بجوار عرفة ومواسم الحج وهم حُرم فأنزل الله تعالى هذه الآية، فالتكسب الحلال في أثناء الموسم لا حرجَ فيه بمعنى أنه لا يفسد الحج، ولا يضيع ثوابه.

 

فالذين يحجون ويزاولون أعمالاً تجاريةً حجهم صحيح غير فاسد لا تجب عليهم إعادته، وتسقط عنهم الفريضة، أما الثواب فظاهر هذه الآثار أن الله لا يحرمهم منه، ولكن يجب مع ذلك مراعاة الحديث الصحيح "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، وإذا تعددت النيات في عمل صالح يمكن أن يرتبط الثواب بما غلب من هذه النيات والأمر كله لله من قبل ومن بعد وهو سبحانه عليم بذات الصدور.